اتُهم فيسبوك، المنصة الأكثر شهرة واستخدامًا في العالم بالانحياز إلى طرف في الصراعات واتباع سياسات التحكم في المحتوى المثير للجدل على منصاته، وحسب ما يجري توثيقه فإنك تنظر إلى العالم من حولك بعين النقد والشك ولا تصدق أي شيء بسذاجة، ويذهب إلى هذا الطرح فيلم وثائقي بعنوان "ما خفي أعظم" ويحاول كشف الكثير من الحقائق وكشف كواليس ما يغرس في الجمهور كحقيقة، وهذه المجموعة من شبكة الجزيرة العربية لها موضوع وعنوان مختلف في كل قسم، على سبيل المثال، فضح أعمال التجسس التي يقوم بها الكيان الصهيوني على قادة المقاومة الفلسطينية، ومؤامرة بعض القادة العرب بالاشتراك مع الكيان الصهيوني لمحاصرة غزة، وما إلى ذلك، هي محتويات بعض أجزاء هذا البرنامج.
ذبحٌ للمحتوى الفلسطينيّ
في أحد أجزاء الفيلم الوثائقي المذكور بعنوان "مساحة مغلقة"، تذبح شركات فيسبوك وواتساب وإنستغرام المحتوى الفلسطيني، لكنها في المقابل تظهر نفسها كمؤسسة مستقلة، وفي هذا القسم، يتم شرح كيف تقوم هذه الشبكات والمنصات الاجتماعية بإخفاء المحتوى المخالف لمُثُلها عن المستخدمين من خلال العمل تحت إشراف آليات محددة، وفيما يلي، عرض الحقائق التي طرحها في هذا الشأن ما خفي أعظم من وجهة نظرنا، وفي عالم تحكمه وسائل التواصل الاجتماعي وشعارات حرية الرأي والتعبير، تتحكم الأجندات والآليات الخفية في ما يُسمح لك بكتابته ونشره، وإلا سيتم حذفك أو حظرك، وقد ذكر الفيلم الوثائقي ما خفي أعظم في أحد أجزائه أن فيسبوك وإنستغرام وغيرهما من المنصات تحذف آلاف حسابات المستخدمين وتحجب مئات الكلمات العربية.
أين السياسة وأدواتها في هذه الحالة ومن يتحكم في ما ينشر وما لا يجوز نشره؟ تحدث الأحداث السياسية والصراعات العرقية والاقتصادية الدامية في جميع أنحاء العالم، وأصبحت شبكات التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من هذه الأحداث، واتُهم فيسبوك، المنصة الأكثر شهرة واستخدامًا في العالم، بالانحياز إلى طرف في الصراعات واتباع سياسات التحكم في المحتوى المثيرة للجدل على منصاته، ويعتمد خطاب الكراهية بشكل كبير على اللغة ومن الصعب جدًا اكتشافه دون وجود أشخاص يتقنون اللغة المحلية، ونحن بحاجة إلى زيادة جهودنا في هذا المجال بشكل كبير، وفي سبتمبر 2022 نشرت شركة الاستشارات الدولية BSR تقريرًا هو الأول من نوعه حول سياسات شركة ميتا المالكة لموقع فيسبوك تجاه المحتوى الفلسطيني.
واستند التقرير في نتائجه إلى بحث مباشر أجرته شركة ميتا وموظفيها، وأدان صراحة إزالة فيسبوك لآلاف الصفحات والمحتوى الفلسطيني مقابل الصفحات والمحتوى الإسرائيلي، وفتح التقرير الباب أمام أسئلة حول سياسات الشركة الفائقة ومدى سيطرتها على ما يُنشر على المنصات أو ما يمكن توقعه، ويقول أشرف زيتون، مدير السياسات السابق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في فيسبوك، في هذا الفيلم الوثائقي: "هذه القواعد يتم وضعها من قبل مجموعة مجهولة الهوية، المجموعة التي تتخذ القرارات والقواعد للتحكم في المحتوى، منصة فيسبوك"، واعتبرها أكبر دولة في العالم من حيث عدد المستخدمين، نحن نتحدث عن 2,2 مليار مستخدم، في هذا البحث، قرر برنامج "ما خفي أعظم"، إجراء تحقيق مباشر ومستقل في سياسات فيسبوك ومستوى تحيزها أو احترافيتها.
وأنشأ فريق هذا الفيلم الوثائقي صفحتين على هذه المنصة، واحدة باللغة العربية والأخرى باللغة العبرية، وعلى مدى أشهر، قام بفحص دقيق لكيفية تعامل هذه الشبكة الاجتماعية مع ما ينشر على هاتين الصفحتين، وسعوا خلال هذا التحقيق إلى مقابلة أصحاب القرار في شركة ميتا المالكة لمنصات فيسبوك وإنستغرام وواتساب، لمواجهتهم بنتائج التحقيق والأسئلة المثيرة للجدل، ولكن طلباتهم قوبلت بالتأخير والتجاهل، وفي النهاية، تواصلوا مع مجلس مراقبة هذه الشبكة الاجتماعية، الذي شكلته الشركة، وتمكنوا من إجراء مقابلة غير مكتملة مع أحد أعضائها.
وفي تكملة للفيلم الوثائقي، وفي جزء من المقابلة، يقول نديم الناشف، مدير مركز حملات تطوير الإعلام الاجتماعي: "إذا أردنا التركيز على قضايا أخرى في العالم غير فلسطين مثلا، فإننا نرى سياسات مماثلة بشأن كشمير، بمعنى أن علاقات الإعلام مع الحكومة الهندية قوية للغاية، وهي منحازة للأحداث التي تجري ضد المواطنين الكشميريين وهذه المنطقة المحتلة، أو انظر إلى ميانمار مثلا، ماذا ما حدث لشعب الروهينجا والكراهية التي انتشرت ضدهم قبل تهجير السكان والمجازر، لم يكن لها أي رد فعل خاص من الفيسبوك".
وفي جزء آخر من هذا الفيلم الوثائقي، تظهر ديبرا براون، باحثة الحقوق الرقمية في منظمة هيومن رايتس ووتش، والتي عملت على إعداد تقرير عن سياسات شركة ميتا، الشركة المالكة لفيسبوك، وخاصة في مناطق الصراع السياسي والعسكري في المنطقة والعالم، يتم التحدث إليها، ويتم طرح السؤال الأكثر بروزًا عليها: ما هي نتائج هذا التقرير حول سياسات هذه الشبكة الاجتماعية؟، وتجيب: "أعتقد أننا بحاجة إلى الرجوع خطوة إلى الوراء والنظر في كيفية استخدام الأشخاص للمنصات الفوقية، بما في ذلك فيسبوك وإنستغرام، خلال فترات الصراع، هناك عدة استخدامات رئيسية، مثل توثيق الجرائم وإدانة الانتهاكات التي يلاحظونها".
منصات للتحريض والعنف
لا شك أن حكومات وسلطات البلدان الأخرى تستخدم هذه المنصات للتحريض على العنف وتشويه الخطاب وتغيير نظرة العالم إلى الصراعات، بشكل عام، ما رأيناه مرات عديدة هو أن ميتا ومنصاتها لا تفعل ما يكفي لحماية حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، ومن الصعب تحديد المنطقة الجغرافية، ولكن يمكننا أن نعطي مثالا، لقد رأينا منصات بما في ذلك Meta تتفاعل بسرعة مع الهجوم على أوكرانيا العام الماضي، كما قام بتعديل سياساته حسب الظروف، أحد هذه التغييرات في السياسة هو السماح للأوكرانيين بإدانة الهجوم الذي شنته القوات الروسية والدعوة إلى إدانته.
ويضيف هذا الوثائقي أيضًا أننا شهدنا في عام 2016 ثورة كبيرة في سياسات فيسبوك تجاه المحتوى العربي، وخاصة المحتوى الفلسطيني، ومن الذين شهدوا هذا التغيير هو أشرف زيتون، مدير السياسة العامة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هذه الشبكة الاجتماعية، والذي تولى هذه المسؤولية من عام 2014 إلى عام 2017، بعد ذلك، يُسأل هذا الشخص عن كيفية تعامل فيسبوك مع المحتوى الفلسطيني أو العربي وحتى الدولي الذي يحارب "إسرائيل" واحتلالها.
ويقول الخبير المذكور: "النقطة الأساسية في تفاعل فيسبوك مع هذه القضية حدثت في عام 2016؛ حيث أصدر الكيان الإسرائيلي المؤقت قانوناً بشأن وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي يقضي بفرض غرامات باهظة على الشركات إذا لم تتعاون بسرعة مع طلب الحكومة الإسرائيلية ووزارة العدل للحد من المحتوى الفلسطيني والمناهض لإسرائيل؛ المحتوى الذي يعتبرونه معاديًا للسامية، ويجب أن أقول إن هذه كانت بداية النهاية لحياد فيسبوك تجاه المحتوى الفلسطيني".
اختراق الكيان لشركة ميتا
يذكر الفيلم الوثائقي "ما خفي أعظم" أن إريك باربينج، الرئيس السابق لمنظمة الأمن السيبراني الإسرائيلية "الشاباك"، يتحدث في هذا التحقيق عن نجاح الكيان في إغلاق الآلاف من حسابات فيسبوك وحجب المحتوى المناهض ل"إسرائيل" من خلال خطة منظمة، ويقول باربينج إن "إسرائيل" وافقت على تنفيذ هذه الخطة وما هو تعريف الإرهاب وتشجيعه، ولذلك فإن الشاباك، مثل العديد من الشركات، يقوم بتحديد المعلومات عن طريق وضع علامات على العبارات والكلمات، ومن ثم يلمسها الشخص أو الجهاز، وإذا تقرر أن الأحكام تشير إلى أغراض إرهابية، فسيتم الرجوع إليها وفي النهاية سيتم إرسال طلب إلى شركة ميتا وسيتم تقديم طلب لإزالتها بطريقة احترافية.
ويذكر أنه عادة ما تتم تلبية معظم الطلبات، يذكر هذا الفيلم الوثائقي أن اعتراف الرئيس السابق لمنظمة الأمن السيبراني الصهيونية دفع هذا الفيلم الوثائقي إلى التحقيق في نفوذ "إسرائيل" في شركة ميتا من خلال أسماء الموظفين، وبالطبع أعلنت شركة ميتا في عام 2021 عن تمسكها بحقوق الإنسان فيما يتعلق بالمحتوى المنشور على صفحاتها، ولكن في الأحداث التي جرت في فلسطين، تم تناول المحتوى الفلسطيني على هذه المنصة، علاوة على ذلك، قال أحد المستخدمين إنه لا ينبغي للفلسطينيين أن يستسلموا في النضال من أجل حقوقهم، والذي لم يتضمن أي محتوى عنيف.
حقيقة لا يمكن إنكارها
لا يمكن إنكار حقيقة أن التعاون بين حكومة تل أبيب وشركات التواصل الاجتماعي يسعى في المقام الأول إلى تحقيق أهداف سلبية متعددة، ويتضمن هذا التعاون محاولات لتحقيق التعتيم وقمع حرية التعبير، وتشويه النضال الفلسطيني، ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل يشمل دعم حملات التحريض الصهيونية المنظمة والموجهة ضد الفلسطينيين، وبشكل مثير للقلق، يظهر أن منصات التواصل الاجتماعي تسعى إلى تغيير إطار التعامل مع قضية فلسطين بشكل يخدم مصالح الاحتلال ويبرر ممارساته القمعية.
يظهر هذا التحالف السلبي تجاه قضية فلسطين استنكارًا للنضال الفلسطيني الشرعي ضد الاحتلال، وتصويره بطريقة مشوهة على أنه "أعمال شغب وعنف وإرهاب"، وفي المقابل، تتم معاملة أعمال العنف والاضطهاد من قبل الجيش والمستوطنين الصهاينة بشكل غير عادل، حيث يتم تبريرها باعتبارها "دفاعًا عن الأمن الإسرائيلي"، وهذا النوع من التحالفات والتعاون يساهم في تعقيد الوضع وتشويه الحقائق، ويزيد من الاستقطاب والصراع في منطقة الشرق الأوسط، ويجب مراجعة هذه السياسات والتصرفات لضمان العدالة وحقوق الإنسان وتحقيق السلام في المنطقة، وإن استخدام العدو الإسرائيلي لممارسات معادية لحقوق الإنسان يعكس خوفه من التضامن العربي والعالمي، وخاصةً على المستوى الشعبي، الذي قد يظهر على منصات التواصل الاجتماعي في تعبيرات تضامن مع الفلسطينيين خلال فترات تعرضهم فيها لأعمال عنف وقمع إبادية أمام العالم.
ومن جهة أخرى، يُظهر استخدام الشركات المتحيزة والمخادعة إمكانية المساهمة في محاولة كبح التضامن وتقليل تأثيره على الرأي العام العالمي، ويأتي ذلك بعد فشل متكرر للإسرائيليين في محاولاتهم للتغطية والاستتار على أعمال العنف والجرائم التي يرتكبونها ضد الأطفال والنساء الفلسطينيين، ونتيجة لهذه الأحداث والتطورات، تظل الصورة العالمية لـ "إسرائيل" مرتبطة بالموت والدمار، ما يؤدي إلى زيادة الضغط الدولي والانتقادات الدولية لممارساتها.
وتظهر الاتهامات الدولية ل"إسرائيل" بالتعاون مع شركات مثل فيسبوك لقمع المحتوى الفلسطيني في الفضاء الإلكتروني أهمية متزايدة لضمان حقوق الإنسان وحقوق الشعوب وتحقيق العدالة، وبصراحة، تطالب "إسرائيل" من خلال مسؤوليها التنفيذيين في فيسبوك بزيادة استباقيتهم في إزالة المحتوى المؤيد للفلسطينيين من المواقع المختلفة، وتأتي هذه الدعوات لتعزز الشكوك حول التبعية الحقيقية لتلك الشركات الكبرى ودورها في القضية، ويبدو أن الخطوط الحمراء لهذه الشركات قد بدأت تظهر بوضوح، وموقع فيسبوك، الذي تأكد أنه متواطئ مع تل أبيب في بعض القضايا، لم يتعامل معها بطريقة تحقق العدالة والمساواة في التعامل مع المحتوى على منصته.
وكل ما ذكر، يثير تساؤلات حول كيف يمكن للشركة اليوم أن تدعم مثل هذه المطالبات والدعوات من جانب العدو، ويجب على الشركات الكبرى اعتماد سياسات واضحة وعادلة تجاه جميع المستخدمين، وتحترم حقوق الإنسان وحرية التعبير، وينبغي أن يكون هناك مراجعة جادة للعلاقات بين هذه الشركات والحكومات والجهات السياسية لضمان عدم تواطؤها في قمع أصوات الفلسطينيين والمظلومين.
LINK: https://www.ansarpress.com/english/28499
TAGS: